الثانوية العامة من خارج الصندوق ومفهوم النجاح الحقيقي

مع كل ظهور لنتيجة الثانوية العامة يَكثُر الكلام والحديث عن ظلم الطلبة وإنهيار آمالهم وأحلامهم، والدعاء على واضعي الامتحانات ومسئولي المنظومة والمصححين. وأولياء الأمور الذين يحلفون ويقسمون بإنها ليست درجاتهم. وأن هناك شئ غامض يحدث من قبل المسئولين للتوجه للتعليم الخاص.
وبهذا المنطق وهذه العقلية لن يتم وضع الأمر في نصابه الصحيح. فحقيقي وجود نسبة كبيرة من الفساد في المنظومة ، وحقيقي وجود نسبة نية للتوجه للتعليم الخاص. ولكن هل يرجع الأمر برمته لهذين السببين فقط؟! وهل هذا وحده يؤدي إلى إرتفاع نسبة الطلبة الحاصلين على أقل من 80%؟! بالطبع لا. ويجب إرجاع الأمر إلى أسباب منطقية وعلى الطلبة وأولياء الأمور وضع الأمر في نصابه الصحيح ومواجهة أنفسهم بالحقيقة بدلاً من إلقاء اللوم على كل الأسباب الخارجة عن إرادتهم. ولابد أن يقفوا مع أنفسهم ويحاسبوها ويطرحوا على أنفسهم وعلى أبنائهم بعض الأسئلة:
- هل لا يوجد طلبة حصلوا على أكثر من 80% ( حتى لو نسبة قليلة )؟! فمعنى وجودهم أن الامتحانات جاءت في استطاعتهم واجابوا عليها ولكنها فروق فردية . ولا ترجعوا الأمر للغش الجماعي، فإن حدث في لجنة أو اثنين فهو لم يحدث في باقي لجان الجمهورية .. كما أن من قواعد الغش المعروفة إنها تساعد في إنجاح الطالب ومروره من الامتحان بدون رسوب ولكن لا تتسبب في تفوقه.
- هل مصححوا الامتحانات ليسوا مدرسين ويرغبون في إنجاح الطلاب بتفوق؟! ليس فقط من منطلق إنهم أيضاً أولياء أمور، ولكن على الأقل إنهم مدرسون يرغبون في الترويج لأنفسهم بتفوق طلابهم، فهم ليسوا جلاديين ومن بعدهم مراجعيين.
- هل ابنك أو بنتك تذاكر بجدية طوال سنواته الدراسية السابقة؟ ولا اقول متفوق ودرجاته مرتفعة لأن امتحانات النقل مختلفة عن امتحانات الثانوية العامة ، ولكن أقول ( الجدية ) لأن كثير منهم من يذاكر فقط من أجل مرور العام بدون رسوب والنجاح العادي فقط وينوي أن يركز فقط في الثانوية العامة وينوي على العمل الجاد في الصف الثالث الثانوي وهذا خطأ شائع، حتى أن طلاب أولى وثانية ثانوي يتلفظ جميعهم بأنهم لن يرهقوا أنفسهم في الصفوف الثانوية الأولى حتى يجتهدوا في الصف الثالث الثانوي. ولكن الحقيقة إن الثانوية العامة هي اختبار تراكمي ونتيجة تراكمية لاجتهاد كل السنوات السابقة ، والطالب المجتهد في السنوات السابقة لا يجد نفس الصعوبة كالطالب الذي قرر الاجتهاد فقط في الصف الثالث الثانوي (وسمعتم كثيراً عن أسئلة جاءت من منهج السنوات السابقة)
- هل الطالب يذاكر فعلاً طول مدة جلوسه على المكتب امام والديه أم يقوم بالتمثيل عليهم حتى لا يلومونه بعد النتيجة ويخبرهم بأن مجهوده كان أمامكم وأنتم شهداء عليه؟
- هل الطالب يذهب ويعود سريعاً للدروس بمجرد إنتهائها أم يقضي ساعتين قبلها وساعتين بعدها، وتذهب الأيام سُدى؟
- هل الطالب متقرب من الله عز وجل ويقوم بنية صادقة بأداء عبادته ويؤدي حق الله عليه بصدق أم التقرب فقط من أجل النجاح هذا العام؟، والتقرب من الله دائم منذ السنوات السابقة أم هو وليد فترة الثانوية فقط؟، فالنية الصادقة هي التي تصلح الأعمال (ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا).
هل الطالب واعي بدرجة كافية تجعله قادر على تحديد هدفه بدقة أم إنه سائر مع التوجه العام ليس له هوية أو اتجاه؟ ليس في عقله سوى الخروج مع الأصدقاء والسوشيال ميديا واخبار نجوم الفن والكرة؟

على كل ولي أمر وطالب أن يسأل نفسه هذه الأسئلة ويركز في إجابتها بينه وبين نفسه، لأن عدم الأخذ بهذه الأسباب هو افتراء على الله عز وجل، ويجب المراجعة قبل إلقاء اللوم على الأسباب الخارجية التي ليست في ايدينا، فماذا فعلنا نحن في الأسباب التي في ايدينا؟! فإذا كنا غير متحكمين في الظروف الخارجية والنظام الخارج عن إرادتنا، فلابد أن نتحكم فيما نستطيع التحكم فيه، وإذا كان توجه الدولة للتعليم الخاص فعلينا أن نتحكم نحن فيما يخصنا سواء طالب أو ولي أمر، ونطرد من عقولنا نظرية المؤامرة التي دمرت أجيال بسبب إرجاع أسباب الفشل دائماً إلى الغير وإلى المؤامرة دون محاسبة النفس على تقصيرها. فبوضع الأمور في نصابها الصحيح وإرجاعها لأسباب منطقية نستطيع تصحيح المسار على المستوى الشخصي وأيضاً على المستوى العام إذا صح وجود مؤامرة وإفشالها.
فإذا تحدثنا عن المستوى العام، فإنه يتم تسهيل كل أسباب سقوط وفشل المجتمع، وأولياء الأمور والطلبة يساهمون في إنجاحه. فالإعلام لا يقصر في هدم القيم والمبادئ، والصحافة تنتعش في موسم الثانوية العامة بسرد روايات الطلبة عن صعوبة الامتحانات، والأسئلة الخارجة عن المنهج ، ونشر هذه الاخبار في الصحف وعلى المواقع فهي مادة غنية لهم للسبق الصحفي والتواجد والإنتشار ولا يعبر إطلاقاً عن الحقيقة، بدليل وجود نفس المقالات ونفس الكلام والسيناريو كل عام، والدراما أصبحت تساهم في تسطيح العقول بدلاً من توعيتها، ومواقع التواصل الإجتماعي والإنفتاح على الغرب لم يترك دقيقة تركيز واحدة لشبابنا، فجميعنا مشتتين ومنساقون.
بعد نتيجة الثانوية العامة ظهرت نغمة غريبة من بلوجرز وانفلونسرز، وهي نغمة أن الثانوية العامة ليست نهاية الكون والهدف المعلن لهذه النغمة هي عدم إحباط الطلبة ، وهذه حقيقة فعلاً وهناك كثير من النماذج التي تفوقت بعد صدمتهم في الثانوية العامة ولكن من هؤلاء؟ .. هم شباب وبنات تعلموا الدرس القاسي، هم شباب وبنات اجتهدوا فيما بعد وواجهوا أنفسهم بأخطائهم وعدلوا المسار، هم شباب وبنات من الأصل متفوقين والتفوق عندهم قيمة منذ الصغر لا يتخلون عنها، والثانوية العامة بالنسبة لهم عثرة أو عقبة في طريقهم كطبيعة أي بشر يتعرض لعقبات في حياته يريد الله عز وجل بها أن يعلمهم درس أو حكمة بها. ولكن تكمن خطورة هذه النغمة في إنها تقنع الكل إنه متفوق ولا مثيل له، وهذا المجموع سئ لأسباب خارجة عن إرادتك، فلا يصح نهائياً إقناع الجميع إنه غير مُقصر وأن الذي حصل على مجموع كبير حصل عليه بالغش، وكلام تحفيزي لا يمت للواقع بصلة، وأنت متفوق وذكي ولا مثيل لك، فهذا فيه إعلاء للأنا للطالب الغير مجتهد وإبخاس لحق الطالب المجتهد، فهذا فيه عدم إعطاء فرصة للطالب غير المجتهد بأن يراجع نفسه ويواجهها بأخطائها، وظلم وقتل فرحة الطالب المجتهد، أي جرم هذا يفعله المجتمع في حق المتفوق؟! المتفوق الذي يجب أن ندعمه ليواصل الطريق الصعب. أي جرم هذا الذي يفعله المجتمع بالطبطبة على الغير مجتهد ونعت المتفوق إنه تفوق بالغش؟! فلا لوم إذن للنظام الذي يكرم الفنانين ويترك الباحثين والعلماء بدون تكريم.
لابد أن يعود للدنيا ميزانها الصحيح ولا نسمح لقلة من البلوجرز والانفلونسرز الفشلة تعميم تجاربهم الفشلة على المتفوقين من أجل الحصول على مشاهدات، فليس معنى أن لك فانز ومتابعين إنك ناجح، والمجتهد الحقيقي مغمورلأنه فقط اختار طريق مختلف عن طريقك، طريق صعب ليس به شهرة ومتابعين ، بل هو طريق خدمة نفسه والمجتمع بحق. فالشهرة ما هي إلا لأراذل القوم. ولا يقاس النجاح بالشهرة أو المال. ولكم عبرة في الدكتور الراحل محمد مشالي ومجدي يعقوب ومصطفى محمود والمهندسة زهى حديد وغيرهم .
ولا أتهم بكلامي هذا أولياء الأمور بالتقصير، فالأغلبية منهم لم يقصروا بأموال طائلة في الدروس والكتب والملخصات ولا أبخس حقهم، ولكن الأمر لا يتوقف عند الإنفاق المادي فقط، ولكن يتوقف على تأسيس دراسي ووعي ناضج منذ الصغر للطالب، فطالب الثانوية العامة المتفوق تتكون نواته منذ الصغر. لا تفرطوا في الترفيهيات ووسائل الراحة ، وانظروا إلى أغلب المتفوقين ستجدون إنهم من طبقة متوسطة بسيطة، فالترفيهيات ووسائل الراحة تأخذ من عقولهم وتركيزهم وأوقاتهم، وتأتون لتغلقوها فجأة في الثانوية العامة من أجل التركيز هذا العام، فسترون مدمن ينسحب منه جرعة المخدرات وسترون ابناءً لا تتمنوهم أبداً.
والطالب أيضاً إذا واجهت نفسك بهذه الأسئلة، ومتيقن بإنك قادر على خوض دراسة أصعب بكثير من الثانوية العامة فأدخل ما شئت من تخصص بغض النظر عن المجموع، فالكليات الخاصة لم تترك مجالاً، ولكن لا تدخل مجالاً أصعب من قدراتك التي تعرفها أنت وحدك، فالطبيب والمهندس ب 60% لن يُنتج عنه بعد 10 سنوات سوى مجتمع مريض جاهل متهالك فاسد.
Nermin Yousif
كاتبة وصحفية وباحثة إعلاميةكاتبة وصحفية خريجة كلية الإعلام جامعة القاهرة بتقدير جيد جداً . خبرة 17 عاماً كباحثة إعلامية في إتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري. البحث والتدقيق في التفاصيل من أهم مراحل عملي لإنجاز المقالات ، لدي سهولة في استخدام اللغة العربية وكلماتها البديعية في صياغة المقال لخدمة هدف المقال، وقدرة على ترتيب الأفكار بشكل جذاب يشد القارئ للمحتوى دون ملل أو تطويل. لدي خبرة في كتابة المقالات وسيناريو مسلسلات للكبار والصغار.