الأرض ذات الألف تل..من الهاوية إلى القمة
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخولوسط أدغال أفريقيا وفي منطقة البحيرات الكبرى هناك دولة صغيرة أثقلتها الحرب ومذابح الإبادة تدعى رواندا.
رواندا التي أنهكتها الحرب الأهلية بعد أن ذاقت ويلات الاستعمار وعانت ما عانت من الفقر والمجاعة والعنصرية الغير متناهية ليصل بها المطاف إلى المقصد السياحي الأول في أفريقيا وأكثر الدول أماناً على مستوى القارة!
فما هي القصة؟
الاستعمار
بدأ الاستعمار في رواندا مع أواخر القرن الثامن عشر على يد الألمان، تلتها بلجيكا التي عملت على التفريق بين مكونات المجتمع الرواندي الذي يتألف من قبيلتي الهوتو (التي تشكل ٨٠% من السكان) والتوتسي (٢٠% من السكان) واعتمدت على سياسة الفصل العنصري، وبعد خروج بلجيكا من البلاد استغلت قبائل الهوتو الفرصة لتأسيس جمهورية مستقلة عام ١٩٦٢.
الحرب الأهلية
تبدأ مأساة الحرب حين تسلّم الهوتو الحكم فأصبح التوتسي أقلية مستضعفة على يد الهوتو الذين قاموا بتهجير جزء كبير منهم واضطهادهم..فشكل التوتسي الجبهة الوطنية الرواندية خارج البلاد في أوغندا، التي قامت بغزو رواندا جزئياً عام ١٩٩١ ولكن لم تصل الجبهة إلى مبتغاها.
سنة ١٩٩٤ تم إسقاط طائرة الرئيس الرواندي المنتمي لقبيلة الهوتو فألقى الهوتو اللوم على التوتسي وهكذا اشتدت وتيرة الحرب الأهلية في رواندا بين القبيلتين لتصبح حرب طاحنة ودموية أدت إلى وقوع مجازر كبيرة قام بها الهوتو من تهجير واغتصاب وقتل للتوتسي والمعتدلين من الهوتو.
ليصل عدد ضحايا هذه الإبادة إلى أكثر من ٨٠٠ ألف رواندي قتيل غالبيتهم من التوتسي، وتشير تقارير الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية أن رواندا استوردت أكثر من ٥٠٠ طن من الخناجر والسكاكين والمناجل لذبح التوتسي.
انتقام التوتسي!
لم ترضَ الجبهة الوطنية الرواندية بالظلم الذي عاشه التوتسي فعادت لتحتل العاصمة كيغالي وتحقق نصر على الهوتو عام ١٩٩٥ بقيادة بول كاغمي وتسيطر بشكل كامل على البلاد، ما أدى إلى توقف الحرب و انهيار حكومة الهوتو وهرب بعضهم إلى دول الجوار خوفاً من غضب التوتسي.
رواندا الجديدة!
عُين بيزي مونجو رئيساً للبلاد في ١٩٩٥ لكن البلاد غرقت في مستنقع الفوضى فانتقلت السلطة إلى بول كاغمي سنة ٢٠٠٠ ومع توليه السلطة اتجهت البلاد من حالة الفوضى والحرب إلى مسار الوحدة والتنمية ثم التطور والتكنولوجيا.
وشرع كاغمي على إقامة إصلاحات جذرية في الدولة أهمها:
- حظر الفوارق العرقية وتجريم كل من يلفظ بمسمى عنصري في البلاد، وإلغاء الانتساب إلى الهوتو أو التوتسي إضافة إلى تشكيل لجان مصلحة وطنية لمحاسبة المتورطين بالإبادة الجماعية وإزالة المظالم وإعادة الحقوق.
- إنعاش الاقتصاد من خلال الاهتمام بجذب كبرى شركات العالم ورواد الأعمال الأجانب وابتكار نظام "الشباك الواحد" للاستثمار الذي يقوم على تسهيل الإجراءات القانونية للمستثمرين إذ يمنح للمستثمر بأن يقوم بإنشاء شركته الخاصة في غضون ساعات فقط!...وتُعد رواندا اليوم واحدة من الدول الرائدة في مجال النمو الاقتصادي حيث شهد التطور الاقتصادي النمو الأكبر منذ عام ٢٠٠٥.
- القضاء على الفقر وتحسين المستوى المعيشي لدى المواطنين مما أدى إلى انخفاض معدل البطالة.
- تطوير وتنمية القطاع التعليمي عبر تثقيف الطلاب والشباب على الوحدة ثم التكنولوجيا والمعلوماتية، مما أدى إلى إنشاء جيل واعي ومثقف.
- الاهتمام بالقطاع السياحي الذي يعتبر من المصادر الأساسية لتطوير الاقتصاد، وذلك من خلال توفير خدمات متميزة وبيئة آمنة للسياح، مع التسويق للمناطق الطبيعية الخلابة لجذب السياح، حيث تُعتبر العاصمة كيغالي أنظف مدينة في إفريقيا.
- إطلاق برنامج "رؤية ٢٠٢٠" الانمائي الذي حقق إنجازات تنموية كبيرة على الصعيد التعليمي والصحي والسياحي والاقتصادي، إضافة إلى رسم الخطط التي ستسير عليها رواندا للتطوير في المستقبل.
وبهذه الجهود وُلدت رواندا من جديد وأصبح أفراد القبيلتين يعملون معاً لتطوير اقتصاد وطنهم وكأن شيئاً لم يكن بعد أن كانوا يقتلون بعضهم على أساس الهوية، كل هذا التطور الذي بُني من نقطة الصفر اعتمد على الإرادة والإدارة الحكيمة وعلى تكافل أبناء المجتمع الرواندي.
وبالمختصر...لقد حققت رواندا المعجزة الاقتصادية في بضع سنين التي تعجز الكثير من الدول المليئة بالثروات عن تحقيقها...
عبدالرحمن الشماع
كاتب مقالات متنوعةأنا عبدالرحمن الشماع.. محب وشغوف بالقراءة وكتابة المقالات ومهتم بالثقافة بإمكاني كتابة تقارير حول مواضيع عدة و مهمة بالنسبة للمجتمع العربي بشكل سليم وإبداعي.
تصفح صفحة الكاتب