
هل يعاني العقل السياسي والإجتماعي السوداني من جمود يحول دون التغيير والتطور؟ هذا التساؤل يفرض نفسه بإلحاح في ظل الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد، والتي كشفت عن غياب شبه تام لـعقلية التغيير القادرة على انتشال السودان من دوامة الصراعات والانتكاسات. إن البنية الذهنية، التي أورثتها عقود من الحكم الفاسد والانقسامات، تبدو بحاجة ماسة إلى تفكيك وإعادة بناء على أسس جديدة تتبنى المعاصرة والواقعية وتبتعد عن الاستقطاب الأيديولوجي والحلول المستوردة أو المشوهة التي لاتتناسب مع السودان ومجتمعه.لقد شهد السودان تداولًا للسلطة عبر سبعة دساتير، ستة انتخابات، وثلاثة أنظمة مدنية، وثلاثة عسكرية، وأربع فترات انتقالية. ومع ذلك، لم يفلح أي من هذه التجارب في وضع البلاد على المسار الصحيح.
والأسوأ من ذلك، أن البلاد عانت من ثلاث حروب أهلية تم إثرها توقيع سبع اتفاقيات سلام، لكنها فشلت جميعها في إحلال سلام مستدام. هذا السجل يكشف عن حقيقة مؤلمة: القوى المجتمعية الفاعلة والقوى السياسية، بمختلف أطيافها، تبدو وكأنها لم تتعلم من دروس التاريخ، وظلت جامدة الفكر، عاجزة عن إيجاد معادلة فعالة تحقق السلام، والتنمية، والاستقرار.
الأزمة الهيكلية للقوى السياسية
إن الواقع السياسي السوداني يعاني من تأزم هيكلي يظهر جليًا في الانقسام المزمن للقوى الفاعلة. على سبيل المثال، التحالفات الكبرى وغيرها من الأحزاب والحركات المسلحة غالبًا ما تكون منقسمة على نفسها، مما يجعلها غير مؤهلة لقيادة البلاد أو حتى لتقديم حلول بديلة وموثوقة تلبي مطالب السودانيين.
هذا الضعف الداخلي يمنع الحكومة من الحكم بفعالية وتشل قدرة المعارضة على خلق حالة توازن صحي. إن أي محاولة للإصلاح الشامل يجب أن تبدأ بمعالجة هذه الأزمة الذاتية: تحديد الفكر، وتوحيد القيادات، وإعادة هيكلة الكيانات السياسية والاجتماعية لتكون قادرة على تقديم تجربة إصلاحية منتجة للسودان، لا أن تكون عبئًا ثقيلآ عليه.
• ضرورة تغيير العقلية لإنهاء حرب
اليوم، يواجه السودان منعطفًا تاريخيًا خطيرًا يتمثل في حرب 15 أبريل 2023 ، لقد كشفت هذه الحرب الويلات التي تنتج عن استمرار العقلية القديمة، حيث دُمرت البنى التحتية، وتشرّد الملايين، وعاد شبح المجاعة يلوح في الأفق في مناطق عديدة، هذه الأحداث المأساوية، من قصف للمدن وتهجير للمواطنين،وانتهاكات لاتحصى ولا تعد في حق مواطنين ابرياء تضاعف الحاجة إلى عقلية قيادية و سياسية جديدة تضع مصلحة الوطن فوق المصالح الفئوية والشخصية.دول أفريقية وآسيوية كانت خلف السودان بمراحل، مثل رواندا، وإثيوبيا، والهند، تسجل الآن معدلات نمو مميزة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، بينما لا يزال السودان يعاني لتثبيت أركان اقتصاده ووضع أساس سليم للنمو. هذا التباين يجب أن يكون جرس إنذار للقادة السودانيين.
إن الإيمان بأن "دوام الحال من المحال" يجب أن يغذي الأمل في نفوس السودانيين. لكن التغيير لن يأتي بالأماني، بل بـتغيير الفكر، والتعلم من أخطاء الماضي، واعتماد آليات وطرق عمل جديدة وموحدة تضع مصلحة السودان الموحد والمستقر فوق كل اعتبار.
لاتحاول أن تكون إنسانآ لا يخطئ فهذا مستحيل، كن إنسانآ يتعلم من اخطائه فهذا عظيم
