مدينة تحت الأرض.

في ظهيرة رمادية هادئة، بعد انتهاء المطر ، خرج زياد و سلمى ليلعبا في حديقة الجدة الخلفية، الأرض كانت ما تزال مبللة، لكن الشمس بدأ تخترق الغيوم، ترسل خيوط ضوء خجولة على الأعشاب . كالعادة ،كان "برق" يجري أمامهما و يشمّ الأرض كأنه يتبع أثراً غامضاً.
بداية المغامرة الثانية.
قال زياد وهو يراقب برق يحفر تحت شجرة التين :"أراهن أنه وجد شيئاً غريباً مجدداً"
ردت سلمى ضاحكة:"إذا وجد مغامرة جديدة ،سنتوغل فيها هذه المرة حتى النهاية!"
وفجأة، أطلق برق نباحاً عالياً وبدأ بالحفر بجنون. اقترب الطفلان بسرعة ،ليروا أن برق قد كشف عن صفيحة حديدية مستطيلة في الأرض ، عليها نقش غامض بالكاد يُقرأ. رفعوها معاً ليظهر تحتها فتحة مظلمة و سلم حديدي ينزل إلى الأسفل. قال زياد: "تظنين أنه نفق للصرف الصحي؟"
ردت سلمى بابتسامة مشاكسة :"أو ممر سري لمدينة ضائعة؟"
نزلو واحداً تلو الاخر ، يتبعهم برق دون تردد. كان النفق ضيقاً في بدايته ، ثم اتسع تدريجياً حتى قادهم إلى قاعة صخرية كبيرة كانت القاعة مضاءة بشكل غريب، رغم عدم وجود أي مصابيح .
الجدرات ان تلمع بلون أزرق باهت، و السقف يعكس ضوءاً طبيعيا لا يُفهم مصدره.
قالت سلمى بدهشة :"هذا مستحيل ... نحن تحت الأرض !"وقبل أن يجيبها زياد، سمعوا صوتا ً خلفهم.
استداروا فجأة، ليروا طفلا خلف الصخرة ،يراقبهم بعينين واسعتين . كان يرتدي ملابس بسيطة و قديمة ، ويحمل في يده عصى قصيرة . قال بهدوء :"انتم لستم من هنا ...أليس كذلك؟"
أجاب زياد: "لا،نحن جئنا من فوق ...من الحديقة." قال الطفل :"تعالوا ، سأقودكم إلى المدينة."
ساروا خلفه وهم يتلفتون بدهشة . الممر قادهم إلى مشهد لم يتوقعوه أبداً :مدينة كاملة مبنية تحت الارض! بيوت حجرية صغيرة و أشجار متوهجة ،نهر يجري وسط الساحة ،أطفال من أعمار مختلفة يركضون و يضحكون.
قالت سلمى : "لكن ...أين الكبار؟" رد الطفل : "لا يوجد . كل من هنا هم أطفال مثلكم . نحن نسمي مدينتنا (نور تحت الارض)."

أخدهم الطفل إلى مركز المدينة ،حيث توجد قاعة كبرى ، يجتمع فيها عدد من الأطفال يقودهم صبي في الحادية عشرة من عمره يبدو أنه الزعيم.
قال الصبي بصوت جاد :"أنا فارس ،ونحن نعيش هنا مند وقت طويل . كل طفل ضائع ، أو غير مرغوب فيه ، يجد طريقه إلى هذه المدينة. لكنها ليست مكان عادياً... إنها تعيش في الزمن بين اللحظات . من يدخلها ، لا يكبر. ولا يشيخ ."
شعرت سلمى بقشعريرة في ذراعيها و قالت :"لكننا لا نريد البقاء. نحن نحب منزلنا ،وجدّتنا ،و حياتنا فوق الأرض ." قال فارس بعد لحظة صمت :"ليس الجميع يستطيع الخروج .لكن أنتما ... جئتما برفقة برق .و الكلب هو الحارس الوحيد الذي يستطيع فتح بوابة العودة."
أخرج فارس من جيبه كرة بلورية صغيرة ،و سلّمها لسلمى .قال :"ضعوها على جدع الشجرة التي دخلتم من عندها ،و ستفتح البوابة من جديد. لكن احذروا: لديكم خمس دقائق فقط قبل أن تُغلق ."
عادوا بسرعة مع الطفل الذي دلّهم على طريق العودة .مرو عبر نفق حجري طويل تصدر منه أصوات غريبة ،كأن جدرانه تتنفس و عند المخرج ،قالفارس: "لا تنسونا. وإذا استطعتم يوماً ،عودوا وأخبرونا بما حدث في الأعلى."
وضعت سلمى الكرة البلورية على جدع شجرة التين .لمع الضوء من الكرة ، وبدأت الأرض تهتز قليلا ، ثم انشقّت ممراً صغيراً ينفد إلى الأعلى . صعد الثلاثة بسرعة ، وفي اللحظة التي خرجوا فيها ،أغلقت الأرض خلفهم كما لو يحدث شيء .
نهاية المغامرة الثانية.
وقفوا في الحديقة وهم يلهثون، أنفاسهم متلاحقة و قلوبهم تدق كطبول الحرب. قال زياد :"هل ما رأيناه حقيقي؟" أجابت سلمى:"إذا لم يكن حقيقياً،فمن أين اتت هذه الكرة؟"كانت الكرة البلورية ما تزال في يدها ،تتوهج بلون خافت.
هزّ برق ذيله ونبح بلطف ،و كأنه يقول: "المغامرة لم تنته بعد."
المراجع
جانب من شخصية الكلب "برق":
- كلب وفي.
- ذكي بشكل غير عادي .
- يبدو أحياناً كأنه يفهم الكلام.
- يقودهم غالباً إلى بداية المغامرة.
