
من لم يهذّب نفسه في شبابه، لن يقوى على تقويمها في شيخوخته.ومن لم يتدرّب على كبح جماح رغباته وهو صبي، فلن يستطيع فعل ذلك حين يشيب.
فالإنسان الذي يستسلم لشهواته، ويُطلق العنان لملذّاته، لابد أن تأتي عليه لحظة تتحول فيها متعته إلى ذلّ، وفرحه إلى ألم.
ولهذا قد يُمهل الله بعض المُسرفين ويُطيل أعمارهم..ليكونوا عبرةً يسخر منها الناس في زمنهم، وقصةً تتناقلها الأجيال ساخرة.
ذلك الإنسان الذي كان متكبرًا طاغياً في ماضيه، يصير شيخاً ضعيفاً يمشي متكئاً على عصاه، يتلعثم عند الكلام، ويُعاني من سلس البول، بعد أن كان يظن نفسه أعلى من الآخرين.
فيسقط جماله وسلطانه وأسنانه معاً، ويتحول من شخصيةٍ مرموقة يلتفون حولها، إلى عبءٍ ثقيل يتجنبه الجميع.ثم حين يموت، لا تذرف عليه دمعة، ولا يفتقده أحد، وكأنه حيوان نفق في طريق مهجور.
هذا هو المعنى الذي أشار إليه القرآن الكريم بقوله:"وَمَن نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ".
المأساة أن الروح لا تشيخ أبداً، بل الجسد هو الذي يهرم ويضمحل.فالنفس تظل محتفظة بشهواتها وطموحاتها كما كانت في الصبا، بينما الجسد الحامل لها يتهالك ويتداعى.
والحال أشبه بسائقٍ ماهر لا يزال بكامل قوته، لكن سيارته قد صدئت وتوقفت عن السير.فلا يجد وسيلة إلا أن يجرها بصعوبة بالغة.
وتلك هي حقيقة الشيخوخة القاسية..روحٌ متقدة حبلى بالرغبات، محبوسة في جسدٍ بالٍ مهترئ، وشهوةٌ متأججة في جسدٍ قد انكسر.
