
في قرية محاصرة بين جبلين شامخين، عاش فتى يدعى "ياسر"، طالما حلم برؤية الجبال التي ولد بين أحضانها، لكن ياسر وُلد بقدم ضعيفة تجعل كل خطوة يخطوها أشبه بعقوبة قاسية، لطالما سخر منه الأطفال وهم يطلقون عليه " الأعرج الكسول" لأنه كان يقضي أيامه جالساً تحت شجرة الزيتون ينهل من كتب الرحالة والمستكشفين، بينما كان الأخرين يلعبون ويركضون.
وفي يوم مصيري، انهار الطريق الوحيد الذي يربط القرية بالعالم الخارجي، بسبب انهيار صخري ضخم، أُصيب القرويون بالذعر، وتساءلوا: كيف سيحضرون الطعام والدواء؟ كيف سيتاجرون مع العالم؟ اقترح الشيوخ الانتظار حتى يمر الشتاء القاسي ثم محاولة إصلاح الطريق.
لكن ياسر نظر إلى الجبل الشامخ وقال بثقة: "هناك طريق آخر".
انفجر الجميع بالضحك، فمنذ متى وهذا "الأعرج" يعرف طريق الجبال؟
لكن ياسر، الذي قضى سنوات في دراسة كتب المستكشفين وخرائط المسافرين، كان يعرف طريقاً قديماً مذكوراً في المخطوطات النادرة.
في صباح اليوم التالي، حمل حقيبة صغيرة وعكازاً قوياً وبدأ يصعد الجبل.
كان كل خطوة يخطوها تكلفه جهداً يشبه تسلق جبل كامل، كانت قدمه تؤلمه كأنها تمشي على الجمر، سقط عشرات المرات، وكُسر عكازه مرة، وجُرحت يداه، في الليلة الثالثة، جلس تحت صخرة كبيرة يرتجف من البرد ويشك في قراره، لكنه نظر إلى النجوم المتلألئة التي قرأ عنها في الكتب، فتذكر أن كل المستكشفين العظام مروا بلحظات يشكون فيها بأنفسهم.
بعد سبعة أيام من المعاناة والصبر، وصل ياسر إلى قمة الجبل، ومن هناك رأى مالم يراه إنسان من قريته من قبل: الطريق إلى المدينة، والبحر البعيد، وعالماً كاملاً كان مجرد حكاية، عاد إلى القرية من الطريق الآخر، محملاً بالأمل وبخريطة مفصلة رسمها بيديه.

عندما قاد ياسر أول مجموعة عبر الطريق الجديد، قال لهم: "لقد اكتشفت أن الجبل لا يصبح أصغر عندما نمشي، لكننا نصبح أكبر عندما نتحدى صعوبته.
فالإرادة الحقيقية ليست قوة خارقة، بل هي قرار متجدد كل صباح بالاستمرار رغم الألم، ليست الأقدام القوية هي التي تعبر الجبال، بل القلوب التي ترفض الاستسلام.
