الرموز الكونية فى ضوء الفلسفة الاسلامية (الانفجار الصامت — لحظة الخلق بين العلم و"كن فيكون")
فى قلب نظرية الانفجار العظيم (Big Bang)، نجد فارقة مذهلة: لحظة الخلق الاولي كانت بلا صوت، بلا شهود، بلا زمن. مجرد نقطة كثيفة انفجرت لتُولد الكون. لكن هل يمكن أن يكون هذا الانفجار "صامتا"؟ وهل الصمت هو الاصل فى كل تجلٍّ؟

العلم: الانفجار العظيم كخلق بلا صوت:
تشير نظرية الانفجار العظيم الى أن الكون بدأ من نقطة واحدة شديدة الكثافة والحرارة، ثم تمدد فجأة قبل 13.8 مليار سنة.
لك يكن هناك وسط لنقل الصوت، فالصوت يحتاج الى مادة، والكون حينها كام مجرد طاقة مضغوطة. ما تبقى من تلك اللحظة هو اشعاع الخلفية الكونية (CMB)، وهو "صدى الضوء" لا "صدي الصوت".
القرآن: "كن فيكون" كأمر لا يُسمع:
قال تعالي: "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" (يس/85)
المراجع

القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة يس - الآية 82
إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82) (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) أي : يأمر بالشيء أمرا واحدا ، لا يحتاج إلى تكرار :إذا ما أراد الله أمرا فإنما يقول لهكنقولة.....
تصفح المرجعهنا لا نجد صوتا، بل أمرًا إلهيًا يتجاوز الزمن والمادة. الخلق ليس انفجارًا ماديًا فقط، بل تجلٍّ ارادي. كما قال تعالي: "وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" (الذاريات/47)
المراجع

القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الذاريات - الآية 47
وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) القول في تأويل قوله تعالى :وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)يقول تعالى ذكره: والسماء رفعناها سقفا بقوة.وبنحو الذي قلنا في ذلك.....
تصفح المرجعوهذا يتوافق مع توسع الكون كما أثبته هابل.
الفلسفة الإسلامية: الخلق كتحول من العدم إلى الإمكان:
الامام الغزالي في "تهافت الفلاسفة" دافع عن خلق الكون من العدم، لا من مادة أزلية. أما محي الدين ابن عربي يرى أن "الوجود" هو تجلٍّ مستمر، وأن "العدم" ليس نفيًا بل استعدادًا للظهور. أما الفارابي يميز بين "الوجود الضروري" (الله) و"الوجود الممكن" (الكون)، والخلق هو انتقال من الإمكان إلى الفعل.
التصوف: الصمت كأصل النور:
في الرؤية الصوفية، الصمت ليس غيابًا، بل حضورًا خفيًا. كما قال الامام الجنيد البغدادي.
الخلق الصامت يُشير إلى أن الحقيقة لا تُدرك بالحواس، بل بالبصيرة. فـ"كن" ليست صوتًا، بل فعلًا إلهيًا يتجاوز الإدراك.
- الانفجار العظيم ليس مجرد حدث علمي.
- بل رمزٌ فلسفي–روحي.
إنه لحظة تجلٍّ بلا صوت، تُذكرنا بأن أصل الوجود ليس في الضجيج، بل في الإرادة الإلهية التي لا تُدرك إلا بالصمت الداخلي.
