الحياة في الريف كما أراها

بصراحة كل ما أفتكر أيام الريف بحس إني كنت عايش في عالم تاني، مش عارف أقول عليه بسيط ولا جميل، بس اللي متأكد منه إنه كان صادق جدًافي الريف، كل حاجة ليها روح: الأرض، الشجر، حتى الناس اللي هناك ليهم طابع مختلف تمامًا
أول ما تصحى الصبح بتسمع صوت العصافير قبل أي صوت تاني، والهواء بيبقى بارد ونضيف كأنك بتتنفس لأول مرة. الشمس بتطلع ببطء من ورا الجبل أو النخلة وتبدأ تشوف الناس خارجين للحقل ومعاهم أدواتهم. مافيش زحمة، ولا كلكعة مواصلات، ولا دوشة عربيات، بس في حركة هادية كده فيها بركة.
الناس في الريف

اللي عاش في الريف يعرف إن الناس هناك مش بتتصنع. كل واحد يعرف التاني، وبيسأل عليه لو غاب. لو حد تعبان، تلاقي الجيران جايبين له أكل أو دواء من غير ما يطلب. لو حد عنده مناسبة، الفرح أو العزاء بيبقى بتاع البلد كلها. مفيش حد غريب، ومفيش حد بيقول “أنا مالي”. حتى السلام في الشارع له طعم مختلف، الكلمة البسيطة “صباح الخير” بتتقال بإحساس حقيقي، مش زي المدينة اللي الناس فيها بتجري ومش بتبص في وش بعض. وأجمل حاجة إن الأطفال هناك لسه بيلعبوا في الشوارع، بالكرة القديمة أو بالعجل، وبيضحكوا بصوت عالي من غير ما حد يقول لهم “اقعدوا ساكتين”.
الأرض والحياة البسيطة

اللي يشتغل في الأرض يعرف يعني إيه تعب، ويعرف كمان يعني إيه رضا. الفلاح بيصحى قبل الشمس، يروح يحفر ويسقي ويزرع، يمكن اليوم يعدي عليه كله وهو واقف تحت الحر، بس لما يشوف الزرع بيكبر، بينسى التعب كله. الأرض هناك مش مجرد شغل، دي علاقة حب. لما المطر ينزل، تحس الناس فرحانة كأنهم كسبوا حاجة كبيرة ولما المحصول ينجح، الفرح بيبقى عام، الكل بيشارك. والأكل اللي بيطلع من الأرض له طعم تاني خالص. العيش اللي معمول في الفرن البلدي، والطماطم اللي لسه مقطوفة من الحقل، واللبن الطازج اللي لسه خارج من البقرة، كل ده يخليك تحس إنك بتاكل حاجة حقيقية، مش مصنعة.
البيت الريفي
بيوت الريف بسيطة، بس فيها دفء غريب. مش لازم تكون كبيرة أو فخمة عشان تبقى مريحة. السطح بيبقى مكان السهرة في الصيف، والناس بتقعد تحكي وتضحك، والأطفال بيعدوا النجوم. في الشتاء، كل العيلة بتتجمع حول الكانون أو الدفاية، ورائحة الشاي بالنعناع مالية الجو. تسمع صوت المطر على السقف، وتشعر بالأمان. الريف بيعلمك إن السعادة مش في الحاجات الكبيرة، لكن في التفاصيل الصغيرة دي. في لمّة العيلة، في طبق الأكل البسيط، في كلمة طيبة من جار، في وقت بتقضيه مع نفسك وسط الطبيعة.
من وجهة نظري
أنا شايف إن الريف هو المكان اللي بيذكّرك بمعنى الحياة الحقيقي. في المدينة، الناس دايمًا مستعجلة، بتجري ورا حاجة مش عارفة هي إيه، لكن في الريف الناس عايشة على مهَل، بيحسّوا بالوقت مفيش تكلف، مفيش مظهرية كل حاجة ماشية على طبيعتها. أكيد فيه صعوبات، زي قلة الشغل أو الخدمات، وأحيانًا التعليم مش بالمستوى اللي المفروض يكون عليه. بس رغم كده، الناس راضية. وده اللي بيخليني دايمًا أقول إن الرضا هو سر الحياة الريفية.
التكنولوجيا والتغير
السنين الأخيرة غيرت حاجات كتير في الريف. الناس بقى عندها موبايلات وإنترنت، والأولاد بيلعبوا على التابلت بدل ما يجروا في الغيط. بس في نفس الوقت، التطور ده فتح أبواب كويسة:فيه اللي بقى يبيع منتجاته أونلاين، وفيه اللي بيتعلم حاجات جديدة من النت. المشكلة الوحيدة إن بعض الناس بدأت تفقد البساطة اللي كانت موجودة زمان. يعني بقيت تسمع كلام عن غيرة ومظاهر وشكل البيت وكلام ملوش لازمة. بس لسه، في قرى كتير، الطيبة هي الأصل.
لحظات لا تُنسى

أجمل وقت في الريف هو وقت الغروب. السماء بتتحول للون دهبي، وصوت الأذان بيملأ المكان، والناس بترجع من الحقول وهي شايلة تعبها ورضاها في نفس الوقت. ريحة التراب بعد المطر، منظر القمر وهو طالع فوق النخيل، ضحكة طفل بيجري ورا فراشة —كل ده يخليك تحس إنك في لوحة فنية، مش في دنيا عادية.
الخلاصة
الحياة في الريف مش خالية من التعب، بس تعبها جميل. هي حياة بسيطة، فيها صدق، فيها ناس قلوبها نقية، وفيها طبيعة بتخليك تفكر بهدوء. الريف يعلمك إن الرضا أهم من الغِنى، وإن الطيبة مش ضعف، وإن اللي يعيش قريب من الأرض عمره ما يكون بعيد عن نفسه. يمكن اللي اتولد في المدينة مش هيحس الإحساس ده، بس اللي عاش ولو فترة قصيرة في الريف، عمره ما هينسى ريحته، ولا صوته، ولا طعمه. وأنا واحد من الناس دول، مهما رحت بعيد، دايمًا بحنّ أرجع، أقعد على مصطبة، وأسمع صوت الريح بين الزرع، وأفتكر إن البساطة مش نقص… دي كنز