هدوء لا يعني ضعفًاقد يظن البعض أن الهدوء تغيّر، أو أن قلة الردود برود، أو أن غيابي انعزال.لكن الحقيقة ببساطة: لم أتغيّر، فقط وضعت الأمور في مكانها الصحيح.تعلمت أن لا أركض خلف من لا يلاحظ حضوري، وأن لا أبرّر لمن لم يسأل، وأن لا أُقنع من قرر أن يفهمني بطريقته.أصبحت أُعطي كل شيء بقدر قيمته، وكل شخص بقدر حضوره.ليس في الأمر قسوة، بل وعي ناضج بأن الطاقة لا تُهدر في الاتجاه الخطأ.
أولًا: لم أتغيّر، أنا فقط رتّبت أولوياتي
من السهل أن يقولوا: “لقد تغيّرت”، حين لا يجدونك حيث يريدونك.لكن من الصعب أن يعترفوا أنهم لم يعودوا في مكانهم السابق من قلبك.أنا لم أتغيّر، فقط أصبحت أرى بوضوحٍ من يستحق المساحة ومن لا يستحقها.الزمن لا يبدّل الطباع بقدر ما يكشف الوجوه.كنت سابقًا أُقدّم بعض العلاقات على نفسي بدافع الوفاء، واليوم تعلمت أن الوفاء الحقيقي يبدأ من الوفاء لذاتي.أنا كما أنا، لكن ترتيب الأولويات اختلف.لم أعد أضع الناس في المقدمة، ثم أعود أبحث عن نفسي في آخر الصف.
ثانيًا: بيني وبينك… مبدأ المعاملة بالمثل
أنا لا أُجيد الأدوار الزائفة، ولا أُتقن لعبة التظاهر بالاهتمام.حين أراك تهتم، أهتم.وحين تبتعد، لا أُلاحقك.ليس لأنني فقدت المودة، بل لأنني أرفض أن أكون حاضرًا في حياة أحدهم كخيار احتياطي.أؤمن بأن العلاقات تُبنى على التوازن، لا على التوسل.لذلك لا تنتظر مني أن أُعطي أكثر مما تُعطي، أو أقترب أكثر مما تقترب.أنا أراك كما تُعاملني، وأُقدّرك بقدر ما تُظهر من تقديرك لي.إن كان ذلك يزعجك، فربما لأنك تعودت أن تكون في صدارة أولويات من حولك، لا لأنني قصّرت.
ثالثًا: انعكاسك في مرآتي لا يُشبهني
كثيرون لا يرونك كما أنت، بل كما يريدونك أن تكون.وحين تكسر الصورة التي رسموها لك في أذهانهم، يصفونك بالمتغيّر، أو القاسي، أو البعيد.لكن الحقيقة أنهم لم يعرفوك أصلًا، بل أحبّوا نسخة صنعوها بأنفسهم.أنا لا أعيش لأُرضي التوقعات، ولا أُكيّف نفسي لأناسب مقاييس الآخرين.حين أتصرف كما أنا، قد يصدمهم الواقع لأنهم اعتادوا وجهًا من وجهي، لا وجهي كله.لكنني لن أعتذر عن أن أكون على طبيعتي.إذا أردت أن ترى فيّ انعكاسًا جميلًا، انظر أولًا إلى ملامحك.فأنا في النهاية مرآة لتعاملك.
رابعًا: ليس الجميع يستحق الصدارة
تعلّمت متأخرًا أن القلب ليس فندقًا مفتوحًا للجميع، وأن الصدق لا يعني أن تترك الأبواب مشرعة.هناك من يدخل ليبقى، وهناك من يدخل ليُحدث ضجيجًا ثم يرحل.ولأنني أُقدّر الهدوء الذي بنيته بداخلي، لم أعد أفتح الباب لكل من يطرق.بعض العلاقات كانت تستنزفني أكثر مما تُضيف إليّ.كنت أُعطي بلا مقياس، وأنتظر بالمقابل احترامًا أو امتنانًا، لكني كنت أنتظر من فراغ.اليوم، توقّفت عن الانتظار.لم أعد أُفكر من يستحق الفرصة، بل من يستحق البقاء.ولست مضطرًا أن أُبرّر من اختياراتي لأحد، لأن من يعرف قيمتي لن يحتاج إلى تفسير.
خامسًا: غيابي ليس عقوبة، بل راحة
حين أغيب، لا أُعاقب أحدًا.أنا فقط أختار راحتي.بعض الصمت أنبل من ألف حوار، وبعض المسافات أصدق من قربٍ مزيّف.أحيانًا الانسحاب هو أعلى درجات الاحترام — احترام النفس أولًا، ثم الآخر.أنا لا أهرب، بل أرتّب المشهد بحيث لا أفقد اتزاني.فإن ظنّ أحدهم أن غيابي خسارة له، فليتذكّر أن حضوري لم يكن صدفة.وإن لم يشعر بفراغي، فأنا من الرابحين.
سادسًا: أنت لست أول اهتماماتي… ولا أنا أول اهتماماتك
دعنا نكون صريحين:لا أحد في هذه الحياة يُكرّس كل وقته لأحد.كل إنسان لديه أولوياته، سواء اعترف بذلك أم أنكر.فلماذا حين أضع نفسي في المقدمة، يُنظر إليّ وكأنني ارتكبت خيانة؟لماذا يُعتبر اهتمامي بذاتي أنانية، بينما انشغالك بنفسك يُسمى “ظروفًا”؟أنا لا أُخاصم أحدًا، لكنني ببساطة لم أعد أسمح لأحدٍ أن يُقصيني من حياتي الخاصة.أنا في مقدّمة أولوياتي، كما أنت في مقدّمة أولوياتك.وما بيننا هو مساحة مشتركة، نحافظ عليها إن شئنا، ونتركها بهدوء إن انتهت صلاحيتها.
سابعًا: لا أحد يُمسك زمام قلبي سواي
تعلمت أن أكثر ما يُهين الإنسان هو أن يُسلّم قراره العاطفي للآخرين.أن يجعل مزاجه رهين تواصل شخص، أو اهتمام عابر.لذلك، استعدت زمام قلبي، وعدت أملكه وحدي.لم أعد أُعلّق سعادتي بردٍّ من أحد، ولا أنتظر تأكيدًا من أحد.أنا من يُقرر متى أقترب ومتى أبتعد، ومتى أُغلق الصفحة وأبدأ من جديد.هذه ليست قسوة، بل استقلال شعوري.قد يُفاجئك هذا الاتزان، وقد تظنه برودًا، لكنه في الحقيقة أعظم شكل من أشكال النضج.
ثامنًا: الكرامة ليست موقفًا… بل أسلوب حياة
كنت أظن أن الكرامة تظهر فقط في لحظة الخلاف، ثم اكتشفت أنها مرافقة لكل التفاصيل الصغيرة:في الرد، في التوقيت، في طريقة النظر، في الصمت حين يعلو الضجيج.أن تُحافظ على كرامتك يعني ألا تُجبر نفسك على البقاء حيث لا تُقدَّر.يعني أن تبتسم في وجه من خذلك، لا لأنك نسيت، بل لأنك تجاوزت.يعني أن تردّ الجميل بالاحترام، والإساءة بالصمت، لأن الردّ أحيانًا يُقلّل من قيمة الموقف لا يزيدها.أنا لا أبحث عن انتصار، بل عن سلامي الداخلي.
تاسعًا: أنا لم أتغيّر… أنا اتّزنت
قد أبدو مختلفًا لمن اعتاد أن يراني دائم الحضور، متاحًا في كل وقت، مستعدًا لكل شيء.لكن ما تغيّر ليس القلب، بل الوعي.تغيّر إدراكي لما يستحق جهدي، ولمن يستحق الوقت.أنا الآن أعرف متى أتكلم ومتى أصمت، ومتى أبتسم ومتى أرحل.تعلمت أن أقول “لا” بهدوء، دون غضب ودون تبرير.ومن لا يحتمل هذا الهدوء، فليبحث عن ضجيجٍ آخر يناسبه.
عاشرًا: هذا منهجي… اليوم وكل يوم
من اليوم وحتى آخر يوم في حياتي،سأظل أمشي على هذا المنهج:أُعامل بالمثل، وأُقدّر من يُقدّرني، وأصمت أمام من لا يستحق الرد.لن أتنازل عن مبدأ ولا عن نفسي لأجل رضا مؤقت من أحد.قد يظنّ البعض أنني أصبحت صعبًا، لكن الحقيقة أنني فقط أصبحت واضحًا.لم أعد أخلط بين العاطفة والتقدير، ولا بين الاهتمام والتملكأنا الآن أعرف تمامًا: أن أكون أولويّتي لا يعني أن أستغني عن الآخرين، بل أن لا أسمح لهم أن يُقصوني من نفسي.
خاتماً
أنا لم أعد الشخص الذي يُرهقه سوء الفهم، ولا الذي يُتعبه صمت الآخرين.تعلمت أن أعيش في سلامي، لا في تفسيراتهم.من أراد البقاء فمرحبًا به، ومن اختار الرحيل فطريقه مفتوح.كل ما في الأمر أنني لم أتغيّر، فقط نضجت بما يكفي لأضع نفسي حيث تستحق.فلا تظن أنني قاسٍ، ولا تتهمني بالغرور،أنا فقط أصبحت أعلم أن الاحترام يبدأ من الداخل،وأن أولويّتي — قبل الجميع — هي أنا.

